ظاهرة الإدغام بين علماء التجويد وعلماء اللغة في الأندلس

الملخص

يسعى هذا البحث للوقوف على ظاهرة من ظواهر اللغة العربيـة، هـي ظـاهرة الإدغـام فـي أصـوات هـذه اللغة، من حيث اهتمامها بالأصوات وتأثّرها ببعضها بعضاً، وهذا تأثير نسبي يهدف إلى نوع من المماثلة أو المشابهة بينها، فيزداد مع مجاورته قربها في الصفات أو في المخارج، والتـأثير بـدوره يـؤدي إلـى الانسـجام الصوتي بين أصوات اللغة. وقد بين هذا البحث أن الأصوات المتجاورة تختلف في نسبة تأثرها فيمـا بينهـا، فقد لا يعدو أن يفقد صوت من الأصوات بعض صـفاته ليتقـارب أو يتجـانس مـع صـفات أصـوات مجـاورة لـه، وقد يصل هذا التأثر إلـى أن يفنـى هـذا الصـوت بصـوت مجـاور لـه، فـلا يتـرك لـه أثـراً، وهـذا الفنـاء هـو مـا اصطلح عليه العلماء بـ "الإدغام" الذي يعدّ من الظواهر الصوتية البارزة. فقد اهتم به علماء العربية عامة وعلماء التجويد واللغة في الأندلس خاصة, لما له من اهمية في الدرس اللغوي, وبخاصة في القراءات القرآنية وعلم التجويد. إذ تكمن اهميته في التخلص من الثقل الذي يجعل النطق خفيفا على الألسنة , ويساهم في تحقيق الانسجام الصوتي والاختصار في الجهد العضلي. فقد درسوا مخارج الحروف وصفاتها كمدخل لدراسة ظاهرة الإدغام بهدف التميز بين الحروف المتماثلة والمتقاربة في المخرج او الصفة ؛لأنهم رأوا أن دراسة مخارج الحروف وصفاتها ضروري لفهم ظاهرة الإدغام . فقد عالج علماء التجويد واللغة في الأندلس ظاهرة الإدغام, إلا أن علماء التجويد قد تناولوها بشكل أوسع وأكثر دقة قياسًا بعلماء اللغة إلى الحد الذي تميزوا فيه في استيعاب جميع صور الإدغام بحسب نوع التأثر. أما علماء اللغة فأقتصر حديثهم عن إدغام المتماثلين والمتقاربين، للتخلص من موضع الثقل الذي رافق النطق بالمثلين والمتقاربين. كما تناول علماء الأندلس موضوع القوة والضعف على نحو مفصل، ويعد مكي القيسي أقدم من تكلم عن هذا الموضوع وأفاض في الحديث عنه، فهو واضع نظريتها، وتبعه في ذلك الكثير ممن جاء بعده. وأوضح البحث الشوائب الصوتية التي تلحق ببعض الأصوات بسبب المجاورة كالجهر والهمس، الإطباق والانفتاح، والأنفية. ويدل ذلك على الحس المرهف والملاحظة الدقيقة التي كانوا يتمتعون بها علماء الأندلس.