تراكيب الشَّرط في نصِّ الزِّيارة الجامعة الكبيرة
الكلمات المفتاحية:
الجملة الشرطية,الزيارة الجامعة الكبيرة ,الإمام الهادي ( عليه السلام )الملخص
الزيارةُ الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام علي الهادي ( عليه السلام) موسوعةٌ معرفيّة متكاملة، تضمّنت معارفَ إلهية متعالية ، وحقائقَ عن مقامات آل البيت ومنازلهم عند الله سبحانه رائقةً، ومطالبَ في افتقار الخلق إليهم ووجوب موالاتهم واتّباعهم واسعةً. أنتظمها قولٌ بليغٌ سُبكت لآلئ ألفاظه وانتُخبت نفائس معانيه، لتُصاغ في نصٍّ يُؤذِن بورودها عن عين صافية، موصولة بينابيع الوحي والإلهام.
وقد شَرَحَ الزيارة أكابرُ العلماءِ ،فقد شَحَذَ نصُّها الشَّريفُ هِمَمَهُمْ ، وَبَرى أقلامَهَمْ فأقبلوا عليها ، يشرحون مَتْنَها ، وينهلون من معارفِها، واستمرت تلك الشروح جيلاً بعد جيل، حتى أحصى منها المحقِّق آغا بُزرك الطهراني عشرين شرحاً.([i])
وقد روى هذه الزيارة أكابرُ المُحدِّثين عن ثقاتِ أصحاب الإمام ( عليه السلام)، وأولهم الشيخ الصدوق في كتابيه( عيون أخبار الرضا عليه السلام ) و( مَن لا يحضره الفقيه) ، ممّا يثبت صحّة سندها ، فضلاً عن أنّ قوّة متنها يصحح نسبتها إلى بيت العصمة (عليهم السلام) ، إذ ليس بمقدور غيرهم أن ينسج نسج كلامهم أو أن يستوحي مضامين نصوصهم.
أمّا تسميتها بـ ( الزيارة الجامعة الكبيرة) فيمكن لنا من استنطاق اللغة والاطلاع على المناسبة التي رُويت فيها الزيارة أن نصل إلى بعض اللطائف المتعلقة بالعنوان.
فـ ( الزيارة ) في اللغة مصدرٌ للفعل ( زارَ يَزورُ) بمعنى: مالَ وعَدَلَ، وفي ذلك يقول ابنُ فارس : (( الزاءُ والواوُ والراءُ، أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المَيْلِ والعُدُولِ ، فالزائرُ يَميلُ إلى شخصٍ ويَعدلُ عن غيرِه)).)[ii])
ومنه يتضح أن زيارة الأئمة (عليهم السلام ) تستوجب الميل إليهم والعدول عمّن سواهم ، وهي الحكمة التي ابتغاها الأئمة من حثِّ شيعتهم وأتباعهم على ملازمة زيارة النبي وآل بيته المعصومين . فالزائر حاضر عند المزور بالجسد مرّة ، وبالقلب مرّة أخرى ، وبالجسد وبالقلب في مرتبة أعلى مرغوب في تحققها عند الزائر ، ومعها يقف في ساحة المقامات العالية بين يدي المعصومين (عليهم السلام) ، ليقرَّ لهم بالموالاة ويشهد على نفسه بالبراءة من أعدائهم، ويتعهد بالسير على منهجهم، والعدول عن نهج مخالفيهم .
والذي يجب أن يُدرَك أنّ حقيقة التولّي لآل البيت والبراءة من أعدائهم موصولة بحقيقة موالاة الخالق (عزّ وجلّ) وتوحيده والإخلاص في طاعته، والتبرِّي عن كلِّ ما يوجب الشرك والكفر، ولذا ورد في أحاديثهم( عليهم السلام) عن الرسول الأكرم:((يا عليُّ مَن زارني حيّاًّ أو ميتاً أو زاركَ في حياتك أو بعد موتك أو زار فاطمةَ أو زار الحسنَ أو زار الحسينَ في حياتهم أو بعد وفاتِهم كان كَمَنْ زار الله في عرشِه)).([iii]) ومنه يُعلَم أنّ الزيارة هي ارتباط روحي مع الإمام المعصوم، وإعراض عن غيره وتسليم لمنهجه الذي هو منهج رسول الله ( صلى الله عليه وآله) ، المُبلِغ به عن الله سبحانه وتعالى. وأنّ مَن يقرأ الزيارة الجامعة يتضح له هذا المعنى جليّاً، ومن أمثلة ذلك قول الإمام(عليه السلام):((مَنْ وَالاكُمْ فَقَدْ وَالى اللهِ ، وَمَنْ عَادَاكُمْ فَقَدْ عَادَى الله )). ([iv])
أمّا لفظ ( الجامعة) فمأخوذ من مناسبة الزيارة ، ذلك أنّ الراوي طلب من الإمام أن يعلمه قولاً بليغاً كاملاً يصلح لزيارة أيِّ واحدٍ منهم ( سلام الله عليهم) ، فجمع له الإمام بهذه الزيارة ما أراد. وأمّا وصف هذه الزيارة بـ ( الكبيرة)، فلأنها من أطول الزيارات الواردة إلينا عن المعصومين ( عليهم السلام).
وأمّا اختيار دراسة تراكيب الشرط في نصِّ هذه الزيارة الشريفة ، فمرده إلى أنّه قد ثبت للباحث من استقراء النصِّ أنّ أسلوب الشرط كان من المهيمنات الأسلوبية فيه وقد تنوعت تراكيبه في مواضع كثيرة من الزيارة ، واستُعين بها لتثبيت المضامين الاعتقادية العالية ، بما تضمنته بنية الشرط من مسببات ونتائج تقود الأذهان إلى الإذعان لما يُلقى إليها والتسليم به.
وبعد استقراء مادة الدراسة، قُسِّمت على تمهيد تضمّن بنية الشرط وتوظيفها في نصِّ الزيارة ثم مبحثين ، درس أحدهما : التركيب الأصلي للشرط في نصِّ الزيارة ، وتضمن الآخر : تراكيب شرطية متنوعة.
( [i]) ينظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة 3/239، 302، و7/43، و8/44، و16/69، و18/304ــ 306، و19/231.