التجريب في المنجز الروائي لمحسن الرملي على مستوى اللغة والصمت

المؤلفون

  • علي ابراهيم محمد جامعة بابل/ كلية التربية للعلوم الانسانية قسم اللغة العربية
  • إعتدال سلمان عريبي التميمي جامعة بابل/ كلية التربية للعلوم الانسانية قسم اللغة العربية

الكلمات المفتاحية:

علوم انسانية, ادب , رواية ,محسن الرملي

الملخص

الرواية من أكثر الأجناس الأدبية احتضانا للأجناس الأدبية وغير الأدبية ,مما جعلها عرضة لفقد ميزة التجنيس والاجناسية المتعارف عليها لرغبة كاتبها في مسايرة الرواية الجديدة بتقنياتها وآلياتها, بمعنى إن كل ابداع جديد هو عمل حداثي, حيث يطول التجديد والتجريب اللغة والأسلوب والتثوير ضد التقليد والجاهزية, هذا ما ساقه جان برتليمي في كتابه الموسوم "بحث في علم الجمال"([i]).

غاية التجريب هو"التطبيق"([ii]), فكل مجتمع يفرض نوعا من السرد يتناسب وطبيعة المجتمع ومعالمه الأثرية والمعمارية وأسواقها ومجتمعاتها البشرية وهياكلها وأصنافها وحركاتها وسكونها عبر التاريخ وفي تصرفاتها وسلوكها ومواقفها من الأمور الجوهرية والمصيرية([iii]).

الرواية العراقية عموماً اشتغلت على الانتهاك لكل شيء, بدءاً من الإنسانية وانتهاء بالحرية, والمتصفح للرواية العراقية يتلمس مواطن المحن والفجائع والتطرف والتعصب والحروب المتتابعة بإمرة الدكتاتورية, فصار الطرح الروائي من منظور ذاتي, وأضحى النص وثيقة لمرحلة مر بها العراق. وعليه فان الموضوعات السردية عامة تحمل تيمات المجتمع البائسة بكل تجلياتها الثقافية والسياسية والأخلاقية والفكرية, وتظهر هواجسها في المنجزات السردية, فالرواية والقصة تحمل نزاعات نفسية وفكرية وثقافية أفرزت الاغتراب والمنفى والإخفاق والهجرة والشعور بالدونية, كل هذا كان باعثاً لشق عصا الطاعة للتقليدي وكسر المركزيات, والإباحية والتعددية والانتهاك, حتى شاعت الفوضى والعبث بكل الثوابت, فتعاظمت الروح الساخرة والمتهكمة وفككت الايدولوجيا السائدة, فصار لزاماً ان يتسم الخطاب الروائي بالتجريب الحداثي, وهذا منح المشروع السردي الدخول لعوالم جديدة يرتقي فيها السارد إلىأزمة الحدث ليخلق عالم فنتازي ليتخطى به الواقع, ولعله يرجع المهمشين ويصير التابع متبوعاً, والجنس الادبي الواحد خليطاً من الاجناس, وفضح المسكوت عنه.

     المتتبع للمسيرة الروائية العراقية لا يغفل الانفتاح التجريبي الكبير في الأساليب والأشكال وطرق التلاعب الروائي وتعدد الخطابات والحوارات والانتهاكات والتفكيك الطاغي المدمر واختلاف الأجناس, فتنصهر التجربة بالإبداع, كل هذا يضمن التفرد والاختلاف .

التجريب في منجز الرملي ظاهرة تستحق الوقوف عليها طويلاً, فإبداعه متأتٍ من خوضه غمار الأجناس السردية عامة, فهو روائي وقاص ومسرحي ومترجم وناقد وباحث, كل هذا ساهم في تشكل منجزه الإبداعي.

 رواية الرملي الأشهر (حدائق الرئيس) التي يمكن ان تصنف ضمن ما اسماه جيريمي هوثورن بــ"رواية القضية"([iv]) التي تزيد على ثلاث مئة صفحة اعتنى الروائي بتقسيمها إلى ثمان وعشرين لوحة, حاول جاداً وبإصرار استحضار التاريخ ومساءلته ودوره في خلخلة الحاضر, وكيف الرواية انعكاس لحياة لا تعرف الاستقرار, فالديناميكية في الإنسان وأفكاره وتصوراته وأفعاله, فالرملي يقدم المغايرة بين الواقع واللاواقع ومع الذات والآخر.

                                                                                            المنجز الروائي للرملي  يظهر الوجه الاجتماعي المتوتر, المزدحم بالأزمات الاجتماعية والسياسية والثقافية, فتصور الاستبداد والقهر والقمع, وغربة الذات وتخلخل الرؤية, والإحباط.

العبث السياسي في العراق كان له الدور الأبرز في خلخلة القيم, ومفارقات اجتماعية عبرت عنها الرواية العراقية بطرح رؤى ما بعد حداثية اتخذت من المحنة والمأساة والحرب والازمة مادة لها, فملاحقة التاريخ والوقوف على أزمات وانعطافات سياسية بمثابة "شهادات كتبت تحت ضغط الأحداث, بصفة استعجالية, سجلت الراهن ونددت بالمسكوت عنه"([v]).

فالإبداع الروائي جمع بين التسجيل للأحداث, وبين الفنية والأدبية, علماً انها رواية تاريخية ولا تتعارض بوجودهما, فأجاد الرملي بإضافة القوة التخيلية للخطاب التسجيلي,فما عادت عملية نقل توثيقية حرفية, وهذا ما حققته روايته (حدائق الرئيس) فهي عملية خلق أساليب كتابية تنفتح على الراهن عبر بنية سردية تعمل على اللغة لتقديم ملامح تجريبية كالتناص واللغة الشعرية وتوظيف التراث..فيسلط الضوء على مرحلة هامة ساهمت في خراب العراق "مالم يكن في الحسبان .. هو ان تندلع الحرب بين العراق وإيران سنة 1980, وان تستمر لثمانية أعوام, فتعصف بالكثير من الأحلام"([vi])

 

([i]) ينظر: بحث في علم الجمال,جان برتليمي ,تر:أنور عبد العزيز, (د.ط), 1970, 14 .

([ii]) الادب التجريبي, 12 .

([iii]) ينظر: م.ن , 19 .

([iv]) مدخل لدراسة الرواية,30 .

([v]) بناء الاخر في الرواية العربية المغاربية, عبدالقادر شرشار, مجلة النور, ع170, 2005.

([vi]) حدائق الرئيس, محسن الرملي, دار المدى, ط1, 2016,43.

التنزيلات

منشور

2022-11-28