المرجعيات الفكرية والفلسفية للديانة الزرادشتية (وتأثرها بالديانات السماوية اليهودية والمسيحية)
الكلمات المفتاحية:
المرجعيات الفكرية ، المرجعيات الفلسفية ، الديانة الزرادشتيةالملخص
يبقى سر الخلق وأسباب الوجود ، والفضول لمعرفة القدرة العظيمة التي أوجدت الوجود وأسبابه ، فضلا عن حاجة الإنسان إلى تنظيم عالمه الذي يعيش فيه ، هي من أهم العوامل التي تدفع الإنسان الى البحث والتعمق المعرفي لكشف الأسرار الخفية وراء الوجود والعالم المادي ، لذا لا يكاد يخلو عصر من العصور الزمنية هذه من ظهور فكر او حركة فلسفية او رسالة سماوية على يد نبي من الأنبياء والمرسلين ، او قد يأتي بها عالم او فيلسوف ، لتقديم الأسباب والمسببات لذلك ، و وضع القوانين والقواعد المسيّرة لهذا العالم ، وبالتأكيد فأن الشخصيات التي تعمل على ذلك ، تحمل من الفكر والرؤيا المعمقة ما يجعلها متميزة عن أقرانها من البشرية في تلك المرحلة والمدة الزمنية التي يعيشها ، وان الحافز الإنساني الذي يحمله ما يدفعه الى نشر هذه الأفكار والرؤى بعيداً عن الأنانية والذاتية والمكاسب المادية الدنيوية .
من هنا كان ظهور الفكر والديانة الزرادشتية ، في منطقة الشرق الأوسط خلال العصور القديمة ، هو لتلبية الحاجة الملحة التي يحتاجها الناس آنذاك ، لان فيها ما يشبع رغباتهم المعرفية وما فيها من قواعد أخلاقية وتربوية كانت البشرية بأشد الحاجة اليها لتنظيم الحياة اليومية ، فكان انتشارها في تلك الحقبة الزمنية كانتشار النار في الهشيم ، فذاع صيتها وانتشرت تعاليمها وازداد مؤيديها ومناصريها بشكل كبير جدا ، وعلى الرغم من اعتبار الديانة الزرادشتية من الديانات الوضعية غير السماوية ، إلا أن البعض في وقتنا الحاضر يعد ويحسب زرادشت مؤسسها هو من الأنبياء السماويين المرسلين ، ومع طول المدة الزمنية منذ ظهوره وحتى يومنا هذا فأن هناك من بقى على ديانته ولازال ملتزما بتعاليمها ويقدسها ، وخاصة في إيران وبعض مناطق الشرق الأوسط مع وجود الديانات السماوية الأبرز ( اليهودية والمسيحية والإسلام ) .
ان ما جاء به زرادشت من رؤى وتصورات عن أسرار الوجود والعالم الآخر وكذلك ما جاء به من قوانين وتعاليم لتنظيم الحياة الاجتماعية فضلا عن تراتيله وترانيمه التعبدية التي كان قد دونها في كتابه الأشهر ( الافستا ) ، كل ذلك يدفعنا الى البحث في المنابع الفكرية والمصادر التي غذّت وأشبعت رغباته وحيرته ، لان ما جاء به زرادشت كانسان ، يتعدى حدود العقل البشري العادي حتى وان كان عالماً او فيلسوفا ، ولا يمكن عده نبيا مرسلاً كونه لا يمد بصلة لشجرة الأنبياء والمرسلين .
لذا جاء بحثنا هذا ليبحث عن أهم المصادر والمنابع الفكرية سواء كانت الكتب السماوية التي كانت موجودة آنذاك ( اليهودية والمسيحية ) ، او من خلال ما تعلمه واقتبسه من ديانات ومعتقدات ، وما وصل اليه من الحضارة الفارسية وباقي الحضارات التي كانت سائدة آنذاك .
اشتمل بحثنا هذا على ثلاثة مباحث ، فالمبحث الأول هو مادة بحثية لغوية في أصل كلمة الدين في اللغة والاصطلاح ، اما الثاني في زرادشت الإنسان ، تناولنا فيه خلاصة لحياة زرادشت وأهم الأفكار العقائدية الزرادشتية وتدوينه للافستا التي تعد الكتاب المقدس له ، وجاء المبحث الثالث للمقارنة بين عقائد ما بعد الموت في الديانة الزرادشتية مع الطقوس والعقائد الموجودة في الديانات السماوية ( اليهودية والمسيحية ) ، وقد ختم البحث بخلاصة عن الموضوع واهم ما توصلنا إليه ، مع قائمة بالهوامش والمصادر التي استفاد منها الباحث في كتابة بحثه هذا.