الإمارات الأرتقية مسيرة الجهاد بين القدس والجزيرة الفراتية (479 – 600هـ / 1846 – 1890م )
الكلمات المفتاحية:
الجهاد, القدس, الجزيرة الفراتية, الأراتقةالملخص
ان البدايات الأولى لظهور الأراتقة على مسرح الأحداث السياسية كان في بلاد الشام ، وفي مدينة القدس تحديدا ، حيث ظهر الأراتقة كأسـرة سياسية حاكمة فيها خلال الربع الأخيـر من القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي ، ويعد الأمير أرتق بن أكسـب (479- 484هـ/1086-1091م) الجد الأكبر والمؤسس الحقيقي لها ، ومنه استمدت تسـميتها التي رافقتها حتى زال حكمها بشكل نهائي .
لقد كان الأمير أرتق أحد القادة التركمان التابعين للسلطان السلجوقي ملكشـاه بن ألب أرسـلان ، وبدأت سمعته بالظهور ، وأخذ دوره بالازدياد عندما جعله السلطان ملكشاه تحت إمرة أخيه تاج الدولة تتش أثنـاء حملتهم على بلاد الشام سنة 472هـ/1097م ، إذ نجح الأمير أرتق في الاسـتيلاء على منطقة حلوان والجبـل الواقعتين على الحدود بين العراق وبلاد فارس ، وضـمها إلى سلطة السـلاجقة ، ولقاء الخدمات التي قدمها أرتق للسلاجقة ، قاموا بتوليته على هذه المنطقة ، فضلاً عن ضم أعمال أخـرى من العراق إلى ولايته ، كما اقطعوه مدينـة القدس وأعمالها ، وعينوه نائباً لهم عليها في سنة 479هـ/1086م ، بعد استيلائهم عليها من ايدي الفاطميين .
بعد تولي الأمير أرتق لنيابة القدس قدم خدمات جليلة للسلاجقة في بلاد الشام ، فانضم إلى الجيش السلجوقي بقيادة تتش عندما دخل الشام ، لاسيما أنه كان يمتلك قدرات عسكرية لا يستهان بها ، وهذا ما أكده ابن الاثير من خلال قوله : (( منصور لم يشهد حرباً الا وكان الظفر له )) ، فهاجما الكثير من مناطق بلاد الشام معاً في عمليات عسكرية مشتركة ، حققا خلالها مكاسب كبيرة ، وبعد وفاة الأمير أرتق في القدس خلفـه على نيابتها ولده سقمان ، وقد أسهم تدهور دولة السلاجقة وانقسامها في ظهور الأتابكيات التي لا تتعدى حدود إقليم أو مدينة في كل من العراق وبلاد الشام والجزيرة الفراتية ، وكانت إمارة الاراتقة احداها .
استغل الفاطميـون في مصر ضعف السلاجقة ، بسبب صراعاتهم الداخلية على عرش الســلطنة ، فهاجموا مدينة القدس ، إذ أرسل الوزير الافضـل الفاطمي حملة عســـــكـــرية لفرض
السيطرة عليها في سنة489هـ/1096م ، وطلب من الأمير سقمان بن ارتق وأخيه الامير إيلغازي تسليم المدينة له ، إلا أنهما رفضا الاستسلام ، ففرض الأفضل حصاراً شديداً عليها ، واعلنوا عن مقاومتهم في البداية ، إلا أن تشديد الحصار وقذف المدينة بالمنجنيق ، اضطرهما وأتباعهم على مغادرتها والتوجه إلى دمشق ، ومنها بعد مدة قصيرة الى الجزيرة الفراتية .
وبهذا الشكل انتهت إمارة الاراتقة في القدس التي مثلت مركزاً لتجمعهم فيها ، خلال الخمس سنوات التي حكموا فيها كامارة لها شخصيتها السياسية المستقلة ، أدت خلالها دوراً كبيراً في الأحداث السياسية التي عاشتها المنطقة .
بعد انتقال الاراتقة إلى بلاد الجزيرة ، نجحوا في تأسـيس إماراتهم فيها واحدة تلو أخرى في كل من حصن كيفا ، وقلعة خرتبـرت ومدينة ماردين ، وعاشت هذه الامارات متزامنة مع نشاط الامارة التي أقامها الأرمن في إقليم قيليقيا من جهة ، كما أنها عاصرت الحملات الصليبية على بلاد الشام والجزيرة من ناحية أخرى ، مما أدى إلى دخولها في صراع وصدامات عسكرية مع هاتين القوتين اللتين تحالفتا في كثير من الأحيان من أجل الاستحواذ على الأراضي الإسلامية ونهب خيراتها تارة ، ومحاولات المصالحة تارة اخرى ، كل ذلك بحكم الموقع الجغرافي والحدود المشتركة بين هذه الاطراف ( الأراتقة – الأرمن – الصليبون) ، ومن خلال هذه المسيرة الجهادية يتضح الدور الكبير الذي أداه الاراتقة في التصدي للاعتداءات الخارجية على الاراضي الإسلامية ، وهذا ما تم تفصيل الحديث عنه في متن البحث.