المصادر المادية والنصوص المسمارية شاهد على التفاعل الحضاري بين مملكة ميديا وبلاد الرافدين خلال الالف الاول قبل الميلاد

الملخص

كان للأحداث السياسية التي حصلت خلال الالف الاول قبل الميلاد دور كبير في تغير الخارطة السياسية في منطقة الشرق الادنى القديم آنذاك، فقد ظهرت اقوام جديدة تسيدت المشهد السياسي واختفت اقوام اخرى كان لها باع طويل في تصدر المشهد، وهذه الاقوام اي الجديدة للأسف لم تترك لنا مخلفات اثرية تشير الى المستوى الحضاري الذي بلغته آنذاك وكل ما تركته من مخلفات اثرية لا تتماشى مع الشهرة التي اكتسبتها تلك الاقوام ، وفي الوقت نفسه لم تقدم ما يكفي من ادلة يشفع لتأكيد ذلك المستوى ، وكل ما قدمته نتائج التنقيبات الاثرية في المواقع الاثرية الواقعة ضمن امتدادات تلك الدول السياسية لم يكن كاف لمعرفة حقائق الامور، لذا اصبح لزما على الباحثين في هذا المجال العودة الى نتائج التنقيبات الاثرية ومقارنة ما عثر عليه مع في البلدان المجاورة للتوصل للبعض من الحقائق حول تاريخ تلك الدول او الاقوام وحضاراتها وهنا يبرز جانب الصلات الحضارية ليؤكد البعض من تلك الحقائق من عدمها. ويعد الميديون من بين اهم الاقوام التي اكتسبت شهرة كبيرة في المحافل السياسية خلال الالف الاول قبل الميلاد، وتشير الدلائل التاريخية الى انهم اقاموا دولتهم خلال النصف الاول من الالف الاول قبل الميلاد في الجهة الشمالية الشرقية من بلاد الرافدين وكانت عاصمتها اكبتانا، وارتبطت ببلاد الرافدين بصلات حضارية تراوحت بين المد والجزر، وقد بلغت تلك الصلات عنفوانها عند منتصف الالف الاول قبل الميلاد او قبيل ذلك، وهذا ما اشارت اليه الاثار المكتشفة في المواقع الاثرية في العراق والبلدان المجاورة، اذ افصحت تلك الاثار عن وجود تفاعلا حضاريا بين ممالك العراق القديم وبلاد ميديا آن، امتدت خلاله جسور التواصل الحضاري لتنقل الارث الحضاري الرافديني وعلى اعلى المستويات، وبالرغم من العلاقة المتشنجة التي اظهرتها المصادر التاريخية بين الاشوريين والميديين الا ان التنقيبات الاثرية بينت عكس ذلك فقد اشارت المخلفات الاثرية بما فيها النصوص المسمارية الى وجود مؤثرات حضارية للآشوريين والبابليين في الحضارة الميدية وهذا ما سنبينه من خلال البحث.